Thursday, June 17, 2010

عم رحومة

جسد هزيل أضناه العمل المكد المرهق ...رأيته منكبأ في صمت دؤوب وراء ماكينة الخياطة في غرفة ضيقة متكدسة بالأثواب وقصاقيص القماش والأكياس البلاستيك ...كان مجلسه في الوسط بين جبلين من القصايص والفتل وأمامه مساحة ضئيلة من الفراغ بالكاد تسمح بمرور ذرات الهواء لتبقى روحه ساكنة في الجسد النحيف لحين يأتى أمر الله فتزهق في سلام ....لم تتح لي الفرصة لأرى عينيه في المرات السابقة ولعلى لم أسعى لأراها فما هو إلا خائط ملابس ...لن أتكسب شيئاً من وراء سبر أغوار نفسه غير أني اليوم تطلعت إلي عينيه بعد أن استفزتني ابتسامته ...عينين لا أتذكر لونهما لأنني أخذت بالمشاهد والصور والأحداث التي هيأ لي أنه خاضها لحظة أن تصادمت الأعين

استشعرت أنه عرك الحياة ....هزمها وهزمته.... تلاقيا في العراء في تنافس وكلاهما مدجج بالأسلحة ...دق الزمن النافور وبدأ القتال .... أفقت من شرودي على صوته وهم يطلب مني أن أمسك بالتي شيرتات القطنية الخاصة بي حتى يتسنى له أخذ قياسها بدقة ليضيقها على حسب مقاسي ...وطفقت الكلمات تخرج من الأفواه في سلاسة


قلت :- لا أدري لماذا أخطأت عين أبي ليشترى لي أشولة كتلك ، هو معذور بالطبع لأنني أخضعت نفسي لبرنامج إنقاص وزن وفقدت نحو 10 كيلوهات من وزني و لم يعتاد بعد على مقاسي الجديد
ضحك وأدرا دفة الحديث نحو فتاة تقطن في الجوار كانت تعاني من السمنة المفرطة واتجهت نحو التدخل الطبي وتناول العقاقير المنفقصة للوزن وكانت النتيجة أنها أصيبت بهبوط حاد في القلب نقلت على أثره إلي المستشفى وأمضت بها أياماً بين الحياة والموت ....والآن عادت كما كانت فتاة سمينة تسد واجهة محلي الضيق
ابتسمت وأخبرته أنه لا سبيل سوى باتباع نظام غذائي سليم


وحاوطنا الصمت من جديد وجاءت لحظة الرحيل وسرت مع صديقتي الحبيبة في طريق العودة وفجأة حل شبح عم رحومة على حوارنا وكانت الصدمة عندما قذفت ولاء في وجهي جملة صاعقة

تعرفي أن عم رحومة حاصل على ماجيستير في القانون
نعم ؟
أصله كان عليه قضية واتحكم عليه فيها ب 10 سنين سجن حكم غيابي وهو ما يعرفش وفي مرة اتخانق مع واحد قام قدم فيه بلاغ
واتحبس ؟
لأ استأنف واتحبس 6 شهورواترفد من الشغل كان موظف في حي مدينة نصر
وبعدين ؟
مالك زعلانة كده ده كان مبسوط في السجن وكان بيقبض فلوس وبيدوله مكافأة عشان علم المساجين ازاي يخيطوا ويفصلوا
ولما خرج ؟
فتح المحل ده ؟
بس
بس

مضيت في طريقي وعم رحومة لا يغادر رأسي ....تفاصيل قصته تنقر رأسي نقر العصافير ....ألمها أسوأ من أي صداع ما خسره لم يكن هيناً ومرة اخرى استعدت نظرة العينين ...لم تكن عين رجل منتصر دون شك لكن الأغرب أنها لم تكن عين منهزمة فالسعادة كات تقفز في وجهي ...ذراتها تتسرب قسراً عني إلي داخلي لتدير حرباً ضروس مع فيروسات الكآبة المنتشرة في حنايا نفسي......أسبابي لليأس لا تقارن بأسبابه لرفض الحياة برمتها فلماذا تلك الابتسامة المضيئة وكيف استقرت نفسه على الرضا ؟
أمسكت برأسي بعد أن عاودني الألم واستيقنت أن الحياة هزمته في جولة الطموح والحلم ولكنه هزمها بابتسامة في شوط الرضا

No comments:

Thursday, June 17, 2010

عم رحومة

جسد هزيل أضناه العمل المكد المرهق ...رأيته منكبأ في صمت دؤوب وراء ماكينة الخياطة في غرفة ضيقة متكدسة بالأثواب وقصاقيص القماش والأكياس البلاستيك ...كان مجلسه في الوسط بين جبلين من القصايص والفتل وأمامه مساحة ضئيلة من الفراغ بالكاد تسمح بمرور ذرات الهواء لتبقى روحه ساكنة في الجسد النحيف لحين يأتى أمر الله فتزهق في سلام ....لم تتح لي الفرصة لأرى عينيه في المرات السابقة ولعلى لم أسعى لأراها فما هو إلا خائط ملابس ...لن أتكسب شيئاً من وراء سبر أغوار نفسه غير أني اليوم تطلعت إلي عينيه بعد أن استفزتني ابتسامته ...عينين لا أتذكر لونهما لأنني أخذت بالمشاهد والصور والأحداث التي هيأ لي أنه خاضها لحظة أن تصادمت الأعين

استشعرت أنه عرك الحياة ....هزمها وهزمته.... تلاقيا في العراء في تنافس وكلاهما مدجج بالأسلحة ...دق الزمن النافور وبدأ القتال .... أفقت من شرودي على صوته وهم يطلب مني أن أمسك بالتي شيرتات القطنية الخاصة بي حتى يتسنى له أخذ قياسها بدقة ليضيقها على حسب مقاسي ...وطفقت الكلمات تخرج من الأفواه في سلاسة


قلت :- لا أدري لماذا أخطأت عين أبي ليشترى لي أشولة كتلك ، هو معذور بالطبع لأنني أخضعت نفسي لبرنامج إنقاص وزن وفقدت نحو 10 كيلوهات من وزني و لم يعتاد بعد على مقاسي الجديد
ضحك وأدرا دفة الحديث نحو فتاة تقطن في الجوار كانت تعاني من السمنة المفرطة واتجهت نحو التدخل الطبي وتناول العقاقير المنفقصة للوزن وكانت النتيجة أنها أصيبت بهبوط حاد في القلب نقلت على أثره إلي المستشفى وأمضت بها أياماً بين الحياة والموت ....والآن عادت كما كانت فتاة سمينة تسد واجهة محلي الضيق
ابتسمت وأخبرته أنه لا سبيل سوى باتباع نظام غذائي سليم


وحاوطنا الصمت من جديد وجاءت لحظة الرحيل وسرت مع صديقتي الحبيبة في طريق العودة وفجأة حل شبح عم رحومة على حوارنا وكانت الصدمة عندما قذفت ولاء في وجهي جملة صاعقة

تعرفي أن عم رحومة حاصل على ماجيستير في القانون
نعم ؟
أصله كان عليه قضية واتحكم عليه فيها ب 10 سنين سجن حكم غيابي وهو ما يعرفش وفي مرة اتخانق مع واحد قام قدم فيه بلاغ
واتحبس ؟
لأ استأنف واتحبس 6 شهورواترفد من الشغل كان موظف في حي مدينة نصر
وبعدين ؟
مالك زعلانة كده ده كان مبسوط في السجن وكان بيقبض فلوس وبيدوله مكافأة عشان علم المساجين ازاي يخيطوا ويفصلوا
ولما خرج ؟
فتح المحل ده ؟
بس
بس

مضيت في طريقي وعم رحومة لا يغادر رأسي ....تفاصيل قصته تنقر رأسي نقر العصافير ....ألمها أسوأ من أي صداع ما خسره لم يكن هيناً ومرة اخرى استعدت نظرة العينين ...لم تكن عين رجل منتصر دون شك لكن الأغرب أنها لم تكن عين منهزمة فالسعادة كات تقفز في وجهي ...ذراتها تتسرب قسراً عني إلي داخلي لتدير حرباً ضروس مع فيروسات الكآبة المنتشرة في حنايا نفسي......أسبابي لليأس لا تقارن بأسبابه لرفض الحياة برمتها فلماذا تلك الابتسامة المضيئة وكيف استقرت نفسه على الرضا ؟
أمسكت برأسي بعد أن عاودني الألم واستيقنت أن الحياة هزمته في جولة الطموح والحلم ولكنه هزمها بابتسامة في شوط الرضا

No comments: